الأربعاء، 26 ديسمبر 2012

شرح الحديث الثالث من الأربعون النووية


الحديث الثالث
عَنْ أَبِيْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْن الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ النبي صلى الله عليه وسلم يَقُوْلُ: (بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُوْلُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيْتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ البِيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ)


الشرح


 عَنْ أَبِيْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ  هذه كنية، عبد الله بن عمر هذا اسم علم.
والكنية: كل ما صدر بأبٍ، أو أم، أو أخ، أو خالٍ، أو ما أشبه ذلك. والعلم: اسم يعين المسمى مطلقاً.
 رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا  قال العلماء: إذا كان الصحابي وأبوه مسلمين فقل: رضي الله عنهما، وإذا كان الصحابي مسلماً وأبوه كافراً  فقل: رضي الله عنه .

 قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ   يَقُوْلُ: بُنِيَ الإِسْلامُ  الذي بناه هو الله عزّ وجل، وأبهم الفاعل للعلم به، كما أُبهم الفاعل في قوله تعالى: ( وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً)(النساء:الآية28) فلم يبين من الخالق، لكنه معلوم، فما عُلم شرعاً أو قدراً جاز أن يبنى فعله لما لم يسم فاعله.

 عَلَى خَمْسٍ  أي على خمسِ دعائم.

 شَهَادَة أنْ لا إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُوْلُ اللهِ  (شهادة) يجوز فيها وجهان في الإعراب:

الأول: الضم (شهادةُ) بناء على أنها خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: هي شهادة.

والثاني: الكسر (شهادةِ) على أنها بدل من قوله: خمس، وهذا البدل بدل بعض من كل.

وقد سبق الكلام على الشهادتين في شرح حديث جبريل عليه السلام

 وَإِقَامِ الصّلاةِ، وَإِيْتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ البّيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَان  وهذا سبق الكلام عليه في شرح حديث جبريل عليه السلام .

لكن في هذا الحديث إشكال وهو:تقديم الحج على الصوم.

والجواب عليه أن يقال: هذا ترتيب ذكري، والترتيب الذكري يجوز فيه أن يقدم المؤخر كقول الشاعر:

إن من ساد ثم ساد أبوه          ثم ساد من بعد ذلك جده

 فالترتيب هنا ترتيب ذكري.

وقد سبق في حديث جبريل تقديم الصيام على الحج،  

ونقول في شرح الحديث:

إن الله عزّ وجل حكيم، حيث بنى الإسلام العظيم على هذه الدعائم الخمس من أجل امتحان العباد.

الشهادتان: نطق باللسان، واعتقاد بالجنان.

إقام الصلاة: عمل بدني يشتمل على قول وفعل، وما قد يجب من المال لإكمال الصلاة فإنه لا يعد منها، وإلا فمن المعلوم أنه يجب الوضوء للصلاة، وإذا لم تجد ماءً فاشتر ماءً بثمن ، ومن المعلوم أيضاً أنك ستستر العورة في الصلاة وتشتري السترة بمال لكن هذا خارج عن العبادة، ولذلك نقول:إن الصلاة عبادة بدنية محضة.

إيتاء الزكاة: عبادة مالية لا بدنية، وكون الغني يجب أن يوصلها للفقير، وربما يمشي وربما يستأجر سيارة، هذا أمر خارج عن العبادة، ولهذا لو كان الفقير عند الغني أعطاه الدراهم مباشرة بدون أي عمل، ولا نقول: اذهب أيها التاجر إلى أقصى البلد ثم ارجع.

صوم رمضان: عبادة بدنية لكن من نوع آخر، الصلاة بدنية لكنها فعل، والصيام بدني لكنه كف وترك، لأنه قد يسهل على الإنسان أن يفعل،ويصعب عليه أن يكف، وقد يسهل عليه الكف ويصعب عليه الفعل، فنوعت العبادات ليكمل بذلك الامتحان، فسبحان الله العظيم.

حج البيت: هل يتوقف الحج على بذل المال؟
فيه تفصيل: إذا كان الإنسان يحتاج إلى شد رحل احتاج إلى المال، لكن هذا خارج العبادة، هذا من جنس الوضوء للصلاة.

وإذا قدرنا أن الرجل في مكة فهل يحتاج إلى بذل المال؟
الجواب: إذا كان يستطيع أن يمشي على رجليه فلا يحتاج إلى بذل المال، والنفقة من الأكل والشرب لابد منها حتى وإن لم يحج.

لذلك الحج - عندي- متردد بين أن يكون عبادة مالية، أوعبادة بدنية مالية، وعلىكل حال إن كان عبادة مالية بدنية فهو امتحان.

فصارت هذه الحكمة العظيمة في أركان الإسلام أنها:

بذل المحبوب، والكف عن المحبوب، وإجهاد البدن، كل هذا امتحان.

بذل المحبوب: في الزكاة ،لأن المال محبوب إلى الإنسان،كما قال الله عزّ وجل: (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) [العاديات:8] وقال:( وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً) (الفجر:20)

والكف عن المحبوب: في الصيام كما جاء في الحديث القدسي:  يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِيْ  .

فتنوعت هذه الدعائم الخمس على هذه الوجوه تكميلاً للامتحان، لأن بعض الناس يسهل عليه أن يصوم، ولكن لا يسهل عليه أن يبذل قرشاً واحداً، وبعض الناس يسهل عليه أن يصلي،ولكن يصعب عليه أن يصوم.


ويذكر أن بعض الملوك وجبت عليه كفارةفيها تحرير رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً. فاجتهد بعض العلماء وقال لهذا الملك:

 يجب عليك أن تصوم شهرين متتابعين ولا تعتق، فقيل للمفتي في ذلك فقال: لأن الشهرين أشق على هذا الملك من إعتاق رقبة، والمقصود بالكفارة محو ما حصل من إثم الذنب، وأن لا يعود.

فنقول: هذا استحسان لكنه ليس بحسن وفي غير محله لأنه مخالف للشرع، فألزمه بما أوجب الله عليه وحسابه على الله عزّ وجل، وليس إليك.




____________________________________________________
____________________________________________________



المفردات : 



بني : أسس . 

على خمس : دعائم . 

شهادة أن لا إله إلا الله : في رواية ((بني الإسلام على خمس على ان يعبد الله ويكفر بما دونه ))، وهي مبينه لمعنى كلمة التوحيد. 

وإقام الصلاة : المداومة عليها بشروطها . 

وإيتاء الزكاة : إعطائها لمستحقيها . 

وحج البيت : قصده لأداء النسك المعدود من أركان الإسلام وصوم رمضان : الإمساك نهاره عن المفطرات بنية . 





يستفاد منه : 

1-معرفة أركان الدين ، وهو داخل في ضمن حديث جبريل المتقدم . 

2-أن هذه الفروض الخمسة من فروض الأعيان ، لا تسقط بإقامة البعض عن الباقين . 

3-جواز إطلاق رمضان من غير لفظ ( شهر) . 

السبت، 1 ديسمبر 2012

من فوائد حديث بيان الإسلام والإيمان والإحسان

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيضًا قال:(( بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال يا محمد أخبرني عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا قال صدقت قال فعجبنا له يسأله ويصدقه قال فأخبرني عن الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره قال صدقت قال فأخبرني عن الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك قال صدقت قال فأخبرني عن الساعة قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل قال فأخبرني عن أماراتها قال أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان ثم انطلق فلبث مليا ثم قال يا عمر أتدري من السائل قلت الله ورسوله أعلم قال هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)) رواه مسلم 




هذا الحديث يستفاد منه فوائد:
منها أن من هدي النبي  مجالسة أصحابه وهذا الهدي يدل على حسن خلق النبي , ومنها أنه ينبغي للإنسان أن يكون ذا عِشرة من الناس ومجالسة وأن لاينزوي عنهم.
ومن فوائد الحديث: أن الخلطة مع الناس أفضل من العزلة ما لم يخش الإنسان على دينه, فإن خشي على دينه فالعزلة أفضل, لقول النبي { يوشك أن يكون خيرُ مال الرجل غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر }.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الملائكة عليهم الصلاة والسلام يمكن أن يظهروا للناس بأشكال البشر؛ لأن جبريل عليه الصلاة والسلام طلع على الصحابة على الوصف المذكور في الحديث رجل شديد سواد الشعر شديد بياض الثياب لايرى عليه أثر السفر ولا يعرفه من الصحابة أحد.
ومن فوائد الحديث: حُسن أدب المتعلم أما المعلم حيث جلس جبريل عليه الصلاة والسلام أمام النبي  هذه الجلسة الدالة على الأدب والإصغاء والاستعداد لما يلقى إليه فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه.
منها: جواز دعاء النبي  باسمه لقوله: ( يا محمد ) وهذا يحتمل أنه قبل النهي أي قبل نهي الله تعالى عن ذلك في قوله:  لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً  [النور:63] على أحد التفسيرين ويحتمل أن هذا جرى على عادة الأعراب الذين يأتون إلى الرسول  فينادونه باسمه يا محمد وهذا أقرب؛ لأن الأول يحتاج إلى التاريخ.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز سؤال الإنسان عما يعلم من أجل تعليم من لا يعلم؛ لأن جبريل كان يعلم الجواب, لقوله في الحديث: { صدقت }.
ولكن إذا قصد السائل أن يتعلم من حول المجيب فإن ذلك يعتبر تعليماً لهم.
ومن فوائد هذا الحديث: أن المتسبب له حكم المباشر إذا كانت المباشرة مبنية على السبب؛ لقول النبي { هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم } مع أن المعلم هو الرسول  لكن لما كن جبريل هو السبب لسؤاله جعله الرسول عليه الصلاة والسلام هو المعلم.
ومن فوائد هذا الحديث: بيان أن الإسلام له خمسة أركان؛ لأن النبي  أجاب بذلك وقال: { الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً }.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا بد أن يشهد الإنسان شهادة بلسانه موقناً بها بقلبه أن لا إله إلا الله فمعنى ( لا إله ) أي: لا معبود حق إلا الله، فتشهد بلسانك موقناً بقلبك أنه لا معبود من الخلق من الأنبياء أو الأولياء أو الصالحين أو الشجر أو الحجر أو غير ذلك حق إلا الله وأن ما عُبد من دون الله فهو باطل لقول الله تعالى:  ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ  [الحج:62].
ومن فوائد هذا الحديث: أن هذا الدين لا يكمل إلا بشهادة أن محمداً رسول الله، وهو محمد بن عبدالله القرشي الهاشمي, ومن أراد تمام العلم بهذا الرسول الكريم فليقرأ القرآن وما تيسر من السنة وكتب التاريخ.
ومن فوائد هذا الحديث: أن رسول الله  جمع شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله في ركن واحد، وذلك لأن العبادة لا تتم إلا بأمرين الإخلاص لله وهو ما تضمنته شهادة أن لا إله إلا الله والمتابعة لرسول الله  وهو ما تتضمنه شهادة أن محمداً رسول الله؛ ولهذا جعلهما النبي  ركناً واحداً في حديث ابن عمر حيث قال: { بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة ... } وذكر تمام الحديث.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا يتم إسلام العبد حتى يقيم الصلاة, وإقامة الصلاة أن يأتي بها مستقيمة حسب ما جاءت به الشريعة, ولها - أي لإقامة الصلاة - إقامة واجبة وإقامة كاملة, فالواجبة أن يقتصر على أقل ما يجب فيها.
والكاملة أن يأتي بمكملاتها على حسب ما هو معروف في الكتاب والسنة وأقوال العلماء.
ومن فوائد الحديث: أنه لا يتم الإسلام إلا بإيتاء الزكاة. والزكاة هي المال المفروض من الأموال الزكوية وإيتاؤها وإعطاؤها من يستحقها، وقد بيّن الله ذلك في سورة التوبة في قوله:  إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ  [التوبة:60].
وأما صوم رمضان فهو التعبد لله تعالى بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ورمضان هو الشهر الذي بين شعبان وشوال.
وأما حج البيت فهو القصد إلى مكة لأداء المناسك, وقُيّد بالإستطاعة؛ لأن الغالب فيه المشقة، وإلا فجميع الواجبات يشترط لوجوبها الإستطاعة لقوله تعالى:  فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ  [التغابن:16].
ومن القواعد المقررة عند العلماء ( أنه لا واجب مع عجز ولا محرم مع الضرورة ).
ومن فوائد هذا الحديث: وصف الرسول الملكي للرسول البشري محمد  بالصدق، ولقد صدق جبريل فيما وصفه بالصدق فإن النبي  أصدق الخلق.
ومن فوائد الحديث: ذكاء الصحابة رضي الله عنهم حيث تعجبوا كيف يصدق السائل من سأله، والأصل أن السائل جاهل والجاهل لا يمكن أن يحكم على الكلام بالصدق أو الكذب، لكن هذا العجب زال حين قال النبي { هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم }.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الإيمان يتضمن ستة أمور: وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره.
ومن فوائد الحديث: التفريق بين الإسلام والإيمان، وهذا عند ذكرهما جميعاً فإنه يفسر الإسلام بأعمال الجوارح والإيمان بأعمال القلوب ولكن عند الإطلاق يكون كل واحد منها شاملاً للآخر فقوله تعالى: وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً  [المائدة:3] وقوله:  وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِيناً  [آل عمران:85] يشمل الإسلام والإيمان وقول الله تبارك وتعالى:  وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ  [الأنفال:19] وما أشبهها من الآيات يشمل الإيمان والإسلام وكذلك قوله تعالى:  فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ  [النساء:92] يشمل الإسلام والإيمان.
ومن فوائد هذا الحديث العظيم: أن الإيمان بالله أهم أركان الإيمان وأعظمها ولهذا قدمه النبي  فقال: { أن تؤمن بالله }.
والإيمان يتضمن الإيمان بوجوده وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، ليس هو الإيمان بمجرد وجوده بل لا بد أن يتضمن الإيمان هذه الأمور الأربعة: الإيمان بوجوده وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته.
ومن فوائد هذا الحديث العظيم: إثبات الملائكة والملائكة عالم غيبي وصفهم الله تعالى بأوصاف كثيرة في القرآن ووصفهم النبي  في السنة وكيفية الإيمان بهم: أن نؤمن بأسماء من عيّنت أسماؤهم منهم ومن لم يعين لأسمائهم فإننا نؤمن بهم إجمالاً ونؤمن كذلك بما ورد من أعمالهم التي يقوموه بها ما علمنا منها، ونؤمن كذلك بأوصافهم التي وصفوا بها ما علمنا بها، ومن ذلك أن النبي  رأى جبريل عليه الصلاة والسلام وله ستمائة جناح قد سد بها الأفق على خلقته التي خلق عليها.
وواجبنا نحو الملائكة أن نصدق بهم وأن نحبهم لأنهم عباد الله قائمون بأمره كمال قال تعالى:  وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ  [الأنبياء:20،19].
ومن فواد هذا الحديث: وجوب الإيمان بالكتب التي أنزلها الله عزوجل على رسله عليهم الصلاة والسلام قال تعالى:  لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ  [الحديد:25].
فنؤمن بكل كتاب أنزله الله على رسله لكن نؤمن إجمالاً ونصدق بأنه حق. أما تفصيلاً فإن الكتب السابقة جرى عليها التحريف والتبديل والتغيير فلم يكن للإنسان أن يميّز من الحق منها والباطل وعلى هذا فنقول: نؤمن بما أنزله الله من الكتب على سبيل الإجمال. أما التفصيل فإننا نخشى أن يكون مما حرف وبدل وغير هذا بالنسبة للإيمان بالكتب. أما العمل بها فالعمل إنما هو بما نزل على محمد  فقط. أما ما سواه فقد نسخ بهذه الشريعة.
ومن فوائد هذا الحديث: وجوب الإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام فنؤمن بأن كل رسول أرسله الله فهو حق، أتى بالحق، صادقٌ فيما أخبر صادق بما أمر به فنؤمن بهم إجمالاً في من لم نعرفه بيعنه وتفصيلا في من عرفناه بيعنه.
قال تعالى:  وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ  [غافر:78]. فمن قص علينا وعرفناه آمنا به بيعنه ومن لم يقص علينا ولم نعرفه نؤمن به إجمالاً، والرسل عليهم الصلاة والسلام أولهم نوح وآخرهم محمد ، ومنهم الخمسة أولوا العزم الذين جمعهم الله في آيتين من كتاب الله فقال الله تبارك وتعالى في سورة الأحزاب:  وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ  الآية [الأحزاب:7]، وقال تعالى في سورة الشورى:  شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا  الآية [الشورى:13].
ومن فوائد هذا الحديث: الإيمان باليوم الآخر، واليوم الآخر هو يوم القيامة وسمي آخراً، لأنه آخرالمطاف للبشر فإن للبشر أربعة دور:
الدار الأول: بطن أمه ... الدار الثاني: هذه الدنيا ... والدار الثالث: البرزخ ... والدار الرابع: اليوم الآخر، ولا دار بعده فإما إلى جنة أو إلى نار.
والإيمان باليوم الآخر يدخل فيه، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( كل ما أخبر به النبي  مما يكون بعد الموت فيدخل في ذلك ما يكون في القبر من سؤال الميت عن ربه ودينه ونبيه وما يكون في القبر من نعيم أو عذاب ).
ومن فوائد هذا الحديث: وجوب الإيمان بالقدر خيره وشره وذلك بأن تؤمن بأمور أربعة:
الأول: أن تؤمن أن الله محيط بكل شيء علماً جملةً وتفصيلاً أزلاً وأبداً.
الثاني: أن تؤمن بأن الله كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء إلى قيام الساعة.
الثالث: أن تؤمن بأن كل ما يحدث في الكون فإنه بمشيئة الله عز وجل لا يخرج شيء عن مشيئته.
الرابع: أن تؤمن بأن الله خلق كل شيء، فكل شيء مخلوق لله عزوجل سواء كان من فعله الذي يختص به كإنزال المطر وإخراج النبات أو من فعل العبد وفعل المخلوقات، فإن فعل المخلوقات من خلق الله عزوجل، لأن فعل المخلوق ناشئ من إرادة وقدرة والإرادة والقدرة من صفات العبد. والعبد وصفاته مخلوقة لله عزوجل فكل ما في الكون فهو من خلق الله تعالى.
ولقد قدر الله عز وجل ما يكون إلى يوم القيامة قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة فما قدر على الإنسان لك يكن ليخطئه وما لم يقدر لك يكن ليصيبه. هذه أركان الإيمان الستة بينها رسول الله ولا يتم الإيمان إلا بالإيمان بها جميعاً. نسأل الله أن يجعلنا جميعاً من المؤمنين بها.
ومن فوائد هذا الحديث: بيان الإحسان وهو أن يعبد الإنسان ربه عبادة رغبة وطلب كأنه يراه فيحب أن يصل إليه، وهذه الدرجة من الإحسان الأكمل، فإن لم يصل إلى هذه الحال فإلى الدرجة الثانية: أن يعبد الله عبادة خوف وهرب من عذابه ولذلك قال النبي { فإن لم تكن تراه فإنه يراك } أي فإن لم تعبده كأنك تراه فإنه يراك.
ومن فوائد هذا الحديث العظيم: أن علم الساعة مكتوم لا يعلمه إلا الله عزوجل فمن ادعى علمه فهو كاذب، وهذا كان خافياً على أفضل الرسل من الملائكة جبريل عليه الصلاة السلام وأفضل الرسل من البشر محمد عليه الصلاة السلام.
ومن فوائد هذا الحديث: أن للساعة أشراطاً أي علامات كمال قال تعالى:  هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُون  [الزخرف:66] ... أي علاماتها، وقسّم العلماء علامات الساعة إلى ثلاثة أقسام:
قسم مضى وقسم لا يزال يتجدد، وقسم لا يأتي إلا قرب قيام الساعة تماماً وهي الأشراط الكبرى العظمى كنزول عيسى ابن مريم عليه السلام والدجال ويأجوج ومأجوج وطلوع الشمس من مغربها.
وقد ذكر النبي  من أماراتها أن تلد الأمة ربتها يعني أن تكون المرأة أمة فتلد امرأة فتكون هذه المرأة غنية تملك مثل أمها وهو كناية عن سرعة كثرة المال وانتشاره بين الناس ويؤيد ذلك المثل الذي بعده {وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان }.
ومن فوائد هذا الحديث: حسن تعليم النبي  حيث استفهم الصحابة هل يعلمون هذا السائل أم لا؟ من أجل أن يعلمهم به وهذا أبلغ مما لو علمهم ابتداء، لأنه إذا سألهم ثم علمهم كان ذلك أدعى لوعي ما يقول وثبوته.
ومن فوائد هذا الحديث العظيم: أن السائل عن العلم يعتبر معلماً وسبقت الإشارة إلى هذا لكن أريد أن أبين أنه ينبغي للإنسان أن يسأل عما يحتاجه ولو كان عالماً به من أجل أن ينال أجر التعليم. والله الموفق.